سورة القمر - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


{اقتربت الساعة} قربت القيامة {وانشق القمر} نصفين. وقرئ {وَقَدْ انشق} أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها أن القمر قد انشق كما تقول: أقبل الأمير وقد جاء المبشر بقدومه. قال ابن مسعود رضي الله عنه: رأيت حراء بين فلقتي القمر. وقيل: معناه ينشق يوم القيامة. والجمهور على الأول وهو المروي في الصحيحين. ولا يقال لو انشق لما خفي على أهل الأقطار ولو ظهر عندهم لنقلوه متواتراً لأن الطباع جبلت على نشر العجائب لأنه يجوز أن يحجبه الله عنهم بغيم {وَإِن يَرَوْاْ} يعني أهل مكة {ءايَةً} تدل على صدق محمد صلى الله عليه وسلم {يُعْرِضُواْ} عن الإيمان به {وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} محكم قوي من المرة القوة أو دائم مطرد أو مار ذاهب يزول ولا يبقى {وَكَذَّبُواْ} النبي صلى الله عليه وسلم {واتبعوا أَهْوَاءهُمْ} وما زين لهم الشيطان من دفع الحق بعد ظهوره {وَكُلُّ أَمْرٍ} وعدهم الله {مُّسْتَقِرٌّ} كائن في وقته. وقيل: كل ما قدر واقع. وقيل: كل أمر من أمرهم واقع مستقر أي سيثبت ويستقر عند ظهور العقاب والثواب {وَلَقَدْ جَاءهُمْ} أهل مكة {مّنَ الأنباء} من القرآن المودع أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة وما وصف من عذاب الكفار {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} ازدجار عن الكفر. تقول: زجرته وازدجرته أي منعته وأصله ازتجر ولكن التاء إذا وقعت بعد زاي ساكنة أبدلت دالاً لأن التاء حرف مهموس والزاي حرف مجهور، فأبدل من التاء حرف مجهور وهو الدال ليتناسبا وهذا في آخر كتاب سيبويه {حِكْمَةٌ} بدل من (ما) أو على (هو حكمة) {بالغة} نهاية الصواب أو بالغة من الله إليهم {فَمَا تُغْنِى النذر} (ما) نفي و{النذر} جمع نذير وهم الرسل أو المنذر به أو النذر مصدر بمعنى الإنذار.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} لعلمك أن الإنذار لا يغني فيهم. نصب {يَوْمَ يَدْعُ الداع} ب {يُخْرِجُونَ} أو بإضمار اذكر. {الداعى}، {إلى الداعى} سهل ويعقوب ومكي فيهما، وافق مدني وأبو عمرو في الوصل، ومن أسقط الياء اكتفى بالكسرة عنها. وحذف الواو من {يَدْعُو} في الكتابة لمتابعة اللفظ، والداعي إسرافيل عليه السلام {إلى شَئ نُّكُرٍ} منكر فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد بمثلة وهو هول يوم القيامة {نُّكُرٍ} بالتخفيف: مكي {خُشَّعاً أبصارهم} {خاشعا} عراقي غير عاصمٍ وهو حال من الخارجين وهو فعل للأبصار، وذكر كما تقول يخشع أبصارهم غيرهم خشعاً على يخشعن أبصارهم وهي لغة من يقول (أكلوني البراغيث). ويجوز أن يكون في {خُشَّعاً} ضميرهم وتقع {أبصارهم} بدلاً عنه، وخشوع الأبصار كناية عن الذلة لأن ذلة الذليل وعزة العزيز تظهران في عيونهما {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} من القبور {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} في كثرتهم وتفرقهم في كل جهة.
والجراد مثل في الكثرة والتموج يقال في الجيش الكثير المائج بعضه في بعض جاءوا كالجراد {مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع} مسرعين مادي أعناقهم إليه {يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} صعب شديد.
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل أهل مكة {قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} نوحاً عليه السلام. ومعنى تكرار التكذيب أنهم كذبوه تكذيباً على عقب تكذيب كلما مضى منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب، أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا أي لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة رأساً كذبوا نوحاً لأنه من جملة الرسل {وَقَالُواْ مَجْنُونٌ} أي هو مجنون {وازدجر} زجر عن أداء الرسالة بالشتم وهدد بالشتم وهدد بالقتل، أو هو من جملة قيلهم أي قالوا هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته وذهبت بلبه {فَدَعَا رَبَّهُ أَنّى} أي بأني {مَغْلُوبٌ} غلبني قومي فلم يسمعوا مني واستحكم اليأس من إجابتهم لي {فانتصر} فانتقم لي منهم بعذاب تبعثه عليهم {فَفَتَحْنَا أبواب السماء} {فَفَتَحْنَا} شامي ويزيد وسهل ويعقوب {بِمَاء مُّنْهَمِرٍ} منصب في كثرة وتتابع لم ينقطع أربعين يوماً {وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً} وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون تتفجر وهو أبلغ من قولك (وفجرنا عيون الأرض) {فَالْتَقَى الماء} أي مياه السماء والأرض وقرئ {الماءان} أي النوعان من الماء السماوي والأرضي {على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} على حال قدرها الله كيف شاء أو على أمر قد قدر في اللوح المحفوظ أنه يكون وهو هلاك قوم نوح بالطوفان.


{وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ ألواح وَدُسُرٍ} أراد السفينة وهي من الصفات التي تقوم مقام الموصوفات فتنوب منابها وتؤدي مؤداها بحيث لا يفصل بينها وبينها ونحوه (ولكنّ قميصي مسرودة من حديدً) أراد ولكن قميصي درع، ألا ترى أنك لو جمعت بين السفينة وبين هذه الصفة لم يصح، وهذا من فصيح الكلام وبديعه، والدسر جمع دسار وهو المسمار فعال من دسره إذا دفعه لأنه يدسر به منفذه {تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا} بمرأى منا أو بحفظنا أو {بِأَعْيُنِنَا} حال من الضمير في {تَجْرِى} أي محفوظة بنا {جَزَاء} مفعول له لما قدم من فتح أبواب السماء وما بعده أي فعلنا ذلك جزاء {لّمَن كَانَ كُفِرَ} وهو نوح عليه السلام وجعله مكفوراً لأن النبي نعمة من الله ورحمة قال الله تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء: 107] فكان نوح نعمة مكفورة {وَلَقَدْ تركناها} أي السفينة أو الفعلة أي جعلناها {ءايَةً} يعتبر بها. وعن قتادة: أبقاها الله بأرض الجزيرة. وقيل: على الجودي دهراً طويلاً حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} متعظ يتعظ ويعتبر، وأصله مذتكر بالذال والتاء ولكن التاء أبدلت منها الدال والدال والذال من موضع فأدغمت الذال في الدال {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} جمع نذير وهو الإنذار {ونذري} يعقوب فيهما، وافقه سهل في الوصل. غيرهما بغير ياء وعلى هذا الاختلاف ما بعده إلى آخر السورة {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ} سهلناه للادّكار والاتعاظ بأن شحناه بالمواعظ الشافية وصرفنا فيه من الوعد والوعيد {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} متعظ يتعظ. وقيل: ولقد سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه فهل من طالب لحفظه ليعان عليه؟ ويُروى أن كتب أهل الأديان نحو التوراة والإنجيل والزبور لا يتلوها أهلها إلا نظراً ولا يحفظونها ظاهراً كالقرآن.
{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} أي وإنذاراتي لهم بالعذاب قبل نزوله أو وإنذاراتي في تعذيبهم لمن بعدهم {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} باردة أو شديدة الصوت {فِى يَوْمِ نَحْسٍ} شؤم {مُّسْتَمِرٌّ} دائم الشر فقد استمر عليهم حتى أهلكهم وكان في أربعاء في آخر الشهر {تَنزِعُ الناس} تقلعهم عن أماكنهم وكانوا يصطفون آخذاً بعضهم بأيدي بعض ويتداخلون في الشعاب ويحفرون الحفر فيندسون فيها فتنزعهم وتكبهم وتدق رقابهم {كَأَنَّهُمْ} حال {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} أصول نخل منقلع عن مغارسه، وشبهوا بأعجاز النخل لأن الريح كانت تقطع رؤوسهم فتبقى أجساداً بلا رءوس فيتساقطون على الأرض أمواتاً وهم جثث طوال كأنهم أعجاز نخل، وهي أصولها بلا فروع، وذكر صفة نخل على اللفظ ولو حملها على المعنى لأنث كما قال:
{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7] {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}. {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر فَقَالُواْ أَبَشَراً مّنَّا واحدا} انتصب {بَشَرًا} بفعل يفسره {نَّتَّبِعُهُ} تقديره أنتبع بشراً منا واحداً {إِنَّا إِذاً لَّفِى ضلال وَسُعُرٍ} كأن يقول إن لم تتبعوني كنتم في ضلال عن الحق. وسعر ونيران جمع سعير فعكسوا عليه فقالوا: إن اتبعناك كنا إذا كما تقول. وقيل: الضلال الخطأ والبعد عن الصواب، والسعر الجنون، وقولهم {أَبَشَراً} إنكار لأن يتبعوا مثلهم في الجنسية وطلبوا أن يكون من الملائكة وقالوا منا، لأنه إذا كان منهم كانت المماثلة أقوى، وقالوا {واحدا} إنكاراً لأن تتبع الأمة رجلاً واحداً، أو أرادوا واحداً من أفنائهم ليس من أشرفهم وأفضلهم، ويدل عليه قوله {أَءلْقِىَ الذّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا} أي أأنزل عليه الوحي من بيننا وفينا من هو أحق منه بالاختيار للنبوة {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} بطر متكبر حمله بطره وطلبه التعظم علينا على ادعاء ذلك {سَيَعْلَمُونَ غَداً} عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة {مَّنِ الكذاب الأشر} أصالح أم من كذبه. {ستعلمون}: شامي وحمزة على حكاية ما قال لهم صالح مجيباً لهم أو هو كلام الله على سبيل الالتفات {إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة} باعثوها ومخرجوها من الهضبة كما سألوا {فِتْنَةً لَّهُمْ} امتحاناً لهم وابتلاء وهو مفعول له أو حال {فارتقبهم} فانتظرهم وتبصر ما هم صانعون {واصطبر} على أذاهم ولا تعجل حتى يأتيك أمري {وَنَبّئْهُمْ أَنَّ الماء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} مقسوم بينهم لها شرب يوم ولهم شرب يوم وقال: {بَيْنَهُمْ} تغليباً للعقلاء {كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} محضور يحضر القوم الشرب يوماً وتحضر الناقة يوماً {فَنَادَوْاْ صاحبهم} قدار بن سالف أحيمر ثمود {فتعاطى} فاجترأ على تعاطي الأمر العظيم غير مكترث له {فَعَقَرَ} الناقة أو فتعاطى الناقة فعقرها أو فتعاطى السيف. وإنما قال: {فَعَقَرُواْ الناقة} [الأعراف: 77] في آية أخرى لرضاهم به أو لأنه عقر بمعونتهم {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ} في اليوم الرابع من عقرها {صَيْحَةً واحدة} صاح بهم جبريل عليه السلام {فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر} والهشيم الشجر اليابس المتهشم المتكسر، والمحتظر الذي يعمل الحظيرة وما يحتظر به ييبس بطول الزمان وتتوطؤه البهائم فيتحطم ويتهشم، وقرأ الحسن بفتح الظاء وهو موضع الاحتظار أي الحظيرة {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}. {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنذر إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ} يعني على قوم لوط {حاصبا} ريحاً تحصبهم بالحجارة أي ترميهم {إِلا ءالَ لُوطٍ} ابنتيه ومن آمن معه {نجيناهم بِسَحَرٍ} من الأسحار ولذا صرفه ويقال: لقيته بسحر إذا لقيته في سحر يومه.
وقيل: هما سحران: فالسحر الأعلى قبل انصداع الفجر، والآخر عند انصداعه {نِعْمَةً} مفعول له أي إنعاماً {مّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ} نعمة الله بإيمانه وطاعته {وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ} لوط عليه السلام {بَطْشَتَنَا} أخذتنا بالعذاب {فَتَمَارَوْاْ بالنذر} فكذبوا بالنذر متشاكين {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} طلبوا الفاحشة من أضيافه {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} أعميناهم. وقيل: مسحناها وجلناها كسائر الوجه لا يرى لها شق. رُوي أنهم لما عالجوا باب لوط عليه السلام ليدخلوا قالت الملائكة: خلهم يدخلوا إنا رسل ربك لن يصلوا إليك، فصفقهم جبريل عليه السلام بجناحه صفقة فتركهم يترددون ولا يهتدون إلى الباب حتى أخرجهم لوط {فَذُوقُواْ} فقلت لهم ذوقوا على ألسنة الملائكة {عَذَابِى وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً} أول النهار {عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} ثابت قد استقر عليهم إلى أن يفضي بهم إلى عذاب الآخرة. وفائدة تكرير {فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} أن يجددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ادكاراً واتعاظاً، وأن يستأنفوا تنبهاً واستيقاظاً إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه، وهذا حكم التكرير في قوله {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} [الرحمن: 13] عند كل نعمة عدها، وقوله {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} [المرسلات: 25] عند كل آية أوردها، وكذلك تكرير الأنباء والقصص في أنفسها لتكون تلك العبر حاضرة للقلوب مصورة للأذهان مذكورة غير منسية في كل أوان.
{وَلَقَدْ جَاء ءالَ فِرْعَوْنَ النذر} موسى وهرون وغيرهما من الأنبياء أو هو جمع نذير وهو الإنذار {كَذَّبُواْ بئاياتنا كُلَّهَا} بالآيات التسع {فأخذناهم أَخْذَ عِزِيزٍ} لا يغالب {مُّقْتَدِرٍ} لا يعجزه شيء {أكفاركم} يا أهل مكة {خَيْرٌ مّنْ أُوْلَئِكُمْ} الكفار المعدودين قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون أي أهم خير قوة وآلة ومكانة في الدنيا أو أقل كفراً وعناداً يعني أن كفاركم مثل أولئك بل شر منهم {أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِى الزبر} أم أنزلت عليكم يا أهل مكة براءة في الكتب المتقدمة أن من كفر منكم وكذب الرسل كان آمناً من عذاب الله فأمنتم بتلك البراءة؟ {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ} جماعة أمرنا مجتمع {مُّنتَصِرٌ} ممتنع لا نرام ولا نضام {سَيُهْزَمُ الجمع} جمع أهل مكة {وَيُوَلُّونَ الدبر} أي الأدبار كما قال:
كلوا في بعض بطنكم تعفّوا ***
أي ينصرفون منهزمين يعني يوم بدر وهذه من علامات النبوة.
{بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ} موعد عذابهم بعد بدر {والساعة أدهى} أشد من موقف بدر والداهية الأمر المنكر الذي لا يهتدى لدوائه {وَأَمَرُّ} مذاقاً من عذاب الدنيا أو أشد من المرة.


{إِنَّ المجرمين فِى ضلال} عن الحق في الدنيا {وَسُعُرٍ} ونيران في الآخرة أو في هلاك ونيران {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النار} يجرون فيها {على وُجُوهِهِمْ} ويقال لهم {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} كقولك (وجد مس الحمى وذاق طعم الضرب) لأن النار إذا أصابتهم بحرها فكأنها تمسهم مساً بذلك. و{سَقَرَ} غير منصرف للتأنيث والتعريف لأنها علم لجهنم من سقرته النار إذا لوحته {إِنَّا كُلَّ شَئ خلقناه بِقَدَرٍ} كل منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر، وقرئ بالرفع شاذاً والنصب أولى لأنه لو رفع لأمكن أن يكون {خلقناه} في موضع الجبر وصفاً ل {شَئ} ويكون الخبر {بِقَدَرٍ} وتقديره: إنا كل شيء مخلوق لنا كائن بقدر، ويحتمل أن يكون {خلقناه} هو الخبر وتقديره: إنا كل شيء مخلوق لنا بقدر، فلما تردد الأمر في الرفع عدل إلى النصب وتقديره. إنا خلقنا كل شيء بقدر فيكون الخلق عاماً لكل شيء وهو المراد بالآية. ولا يجوز في النصب أن يكون {خلقناه} صفة ل {شَئ} لأنه تفسير الناصب والصفة لا تعمل في الموصوف. والقدْر والقدَر التقدير أي بتقدير سابق أو خلقنا كل شيء مقدراً محكماً مرتباً على حسب ما اقتضته الحكمة، أو مقدراً مكتوباً في اللوح معلوماً قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه. قال أبو هريرة: جاء مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت الآية، وكان عمر يحلف أنها نزلت في القدرية {وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ واحدة} إلا كلمة واحدة أي وما أمرنا لشيء نريد تكوينه إلا أن نقول له كن فيكون {كَلَمْحٍ بالبصر} على قدر ما يلمح أحدكم ببصره. وقيل: المراد بأمرنا القيامة كقوله {وَمَا أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر} [النحل: 77].
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أشياعكم} أشباهكم في الكفر من الأمم {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} متعظ {وَكُلُّ شَئ فَعَلُوهُ} أي أولئك الكفار أي وكل شيء مفعول لهم ثابت {فِى الزبر} في دواوين الحفظة ف {فَعَلُوهُ} في موضع جر نعت ل {شَئ} و{فِى الزبر} خبر ل {كُلٌّ} {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} من الأعمال ومن كل ما هو كائن {مُّسْتَطَرٌ} مسطور في اللوح {إِنَّ المتقين فِى جنات وَنَهَرٍ} وأنهار اكتفى باسم الجنس وقيل: هو السعة والضياء ومنه النهار {فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ} في مكان مرضي {عِندَ مَلِيكٍ} عندية منزلة وكرامة لا مسافة ومماسة {مُّقْتَدِرٍ} قادر. وفائدة التنكير فيهما أن يعلم أن لا شيء إلا هو تحت ملكه وقدرته وهو على كل شيء قدير.